التجارة الإلكترونية والعمل على الويب في المغرب: الإطار القانوني، الضرائب، والأنشطة المحظورة

كتشف الدليل القانوني الكامل للتجارة الإلكترونية والعمل على الويب في المغرب، وفق قانون 53.05 وحماية المستهلك والضرائب. تعرف على كيفية تأسيس نشاط رقمي قانوني، نظام المقاول الذاتي، الضرائب المفروضة، والأنشطة المحظورة في التجارة عبر الإنترنت. دليل شامل للمبتدئين والمحترفين.

بقلم الاستاذ حمزة سعادي

11/20/20251 دقيقة قراءة

مقدمة

شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة تحوّلاً رقمياً مهماً أثّر بشكل مباشر على طبيعة الأنشطة الاقتصادية والمهنية. فقد أصبحت التجارة الإلكترونية والعمل على الويب من أهم المحركات الاقتصادية الجديدة التي يعتمد عليها الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة. هذا التطور جعل الإطار القانوني والضريبي لهذه الأنشطة الرقمية ضرورة أساسية، خاصة مع اتساع استخدام المنصات الإلكترونية، وازدياد الطلب على الخدمات الرقمية، وانتشار المتاجر الافتراضية ومواقع البيع عبر الإنترنت.

وبفعل التطور المتسارع للأنشطة الرقمية، أصبح من الضروري فهم الإطار التشريعي الذي يضبطها، سواء في ما يتعلق بالعقود الإلكترونية، شروط تكوينها، حجيتها القانونية، حماية المستهلك، المسؤولية المدنية والجنائية، أو ما يتعلق بالالتزامات الجبائية المفروضة على الأنشطة الرقمية بمختلف أشكالها.

هذه المقالة تقدم تحليلاً قانونياً شاملاً للتجارة الإلكترونية والعمل على الويب في المغرب، وفق القوانين ذات الصلة: القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، قانون حماية المستهلك 31.08، مدونة التجارة، المدونة العامة للضرائب، وقانون حماية المعطيات الشخصية.
كما تتطرق لمسألة الأنشطة المسموح بها والأنشطة المحظورة على الإنترنت، وتبيّن الشروط القانونية لممارسة نشاط رقمي مهني منظم.

الفصل الأول: الإطار القانوني للتجارة الإلكترونية في المغرب

1. الأساس التشريعي للتعاملات الإلكترونية

أصدر المغرب القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، ليمنح للوثيقة الإلكترونية نفس الحجية التي تتمتع بها الوثيقة الورقية. وقد شكل هذا القانون نقطة تحول رئيسية، إذ أصبح بالإمكان إبرام العقود عبر الوسائل الإلكترونية، واعتماد التوقيع الإلكتروني، وتبادل البيانات والمعطيات الرقمية بطريقة قانونية.

يعترف القانون بالمحررات الإلكترونية كلما كانت مستوفية للشروط التقنية التي تمكن من التعرف على صاحبها، وتضمن سلامة البيانات. كما يضع شروطاً لحماية المتعامل الإلكتروني، عبر إلزام المورد بتقديم جميع المعلومات المتعلقة بالمنتج أو الخدمة قبل التعاقد.
ويعزز القانون كذلك الثقة في المعاملات من خلال تنظيم التوقيع الإلكتروني، وربطه بشهادة إلكترونية صادرة عن هيئة معتمدة.

2. حماية المستهلك في التعاملات الإلكترونية

يخضع المتجر الإلكتروني لقانون حماية المستهلك، الذي يفرض عليه تقديم معلومات دقيقة وصحيحة حول المنتج أو الخدمة، وبيان السعر بشكل واضح، وإتاحة سياسة الإرجاع أو الاستبدال، مع تقديم ضمانات تحمي المستهلك من الممارسات التضليلية.
كما يلزم القانون المورد بإشعار المستهلك بحقه في التراجع عن الشراء خلال أجل محدد، ويفرض عليه حفظ البيانات المتعلقة بالمعاملة الإلكترونية لتمكين المستهلك من إثبات حقوقه.

3. حجية العقد الإلكتروني

يُعتبر العقد المبرم عبر الإنترنت عقداً صحيحاً، طالما توافرت أركانه الأساسية:

- الإيجاب

- القبول

- المحل

- السبب

ويجب أن يكون التعبير عن الإرادة واضحاً، سواء بالضغط على زر الموافقة، أو تسجيل الطلب، أو الموافقة عبر البريد الإلكتروني.
وتحظى عقود البيع الإلكتروني، والخدمات الإلكترونية، والاشتراكات الرقمية، والعقود المتعلقة بالمنصات الإلكترونية بالحجية القانونية نفسها المعترف بها للعقود التقليدية.

الفصل الثاني: العمل على الويب في المغرب والإطار القانوني المنظم له

1. طبيعة العمل عبر الإنترنت في التشريع المغربي

لا توجد حالياً منظومة تشريعية خاصة بتنظيم العمل الحر عبر الإنترنت، لكن يمكن تنظيمه وإخضاعه للقانون من خلال الأنظمة المهنية المتاحة، مثل المقاول الذاتي، التاجر الفردي، أو الشركة التجارية.
ويتسع العمل الرقمي ليشمل خدمات متنوعة:

- التصميم

- التسويق الإلكتروني

- تطوير المواقع

- صناعة المحتوى

- التجارة الإلكترونية

- الخدمات السمعية البصرية

- إدارة مواقع التواصل

- البيع عبر المنصات

كل هذه الأنشطة تعد أنشطة رقمية مشروعة، شريطة التصريح بها والالتزام بالواجبات الضريبية.

2. نظام المقاول الذاتي كمدخل قانوني للعمل الرقمي

يعتبر نظام المقاول الذاتي إطاراً مناسباً لممارسة الخدمات الرقمية التي تدر دخلاً شهرياً أو سنوياً.
يمكّن هذا النظام من الحصول على صفة قانونية تمكّن الشخص من إصدار الفواتير، فتح حساب بنكي مهني، التصريح بالمداخيل، والاستفادة من ضريبة منخفضة.
ويصل السقف السنوي للمعاملات بالنسبة للخدمات إلى 500.000 درهم، وهي نسبة تسمح بمزاولة أغلب الأنشطة الإلكترونية بكل أريحية.

3. التسجيل التجاري للتجارة الإلكترونية

إذا كان النشاط يقوم على بيع السلع، أو إدارة متجر إلكتروني كبير، أو استيراد المنتجات وبيعها عبر الإنترنت، فيجب التسجيل كتاجر فردي أو إنشاء شركة تجارية.
يسمح ذلك بممارسة نشاط قانوني منظم، مع إمكانية التعامل مع منصات الدفع، شركات التوصيل، والموردين، وتوفير فواتير رسمية للزبناء، بما يضمن الثقة والشفافية.

الفصل الثالث: الضرائب المفروضة على التجارة الإلكترونية والعمل على الويب

1. الضريبة على الدخل

يخضع كل نشاط يحقق دخلاً عبر الإنترنت للضريبة على الدخل، سواء تعلق الأمر ببيع منتجات رقمية، تقديم خدمات، الربح من الإعلانات، أو الدخل الناتج عن المنصات الدولية.
وتختلف طريقة الاحتساب حسب الوضع القانوني للشخص:

- المقاول الذاتي يؤدي 1% أو 2% حسب طبيعة النشاط

- التاجر الفردي يخضع للسلم الضريبي

- الشركات تخضع للضريبة على الشركات

2. الضريبة على القيمة المضافة

تطبق هذه الضريبة على الأنشطة التي تتجاوز رقم معاملات معين، خاصة في مجال التجارة.
وهي ضريبة غير مباشرة يتحملها المستهلك، لكن يلتزم البائع بإدارتها وتسوية وضعيتها الضريبية.

3. التصريح بالمداخيل

يتطلب العمل عبر الإنترنت التصريح بالمداخيل بشكل دوري، لضمان قانونية النشاط، وتفادي أي متابعة ضريبية قد تنشأ بسبب عدم التصريح.

الفصل الرابع: الأنشطة المحظورة في التجارة الإلكترونية والعمل الرقمي

1. بيع السلع المحظورة

يمنع بيع الأدوية غير المرخصة، المنتجات المقلدة، المكملات غير المعتمدة، أو أي سلعة تخضع لترخيص خاص.
كما يمنع بيع المنتجات التي تمس بالصحة العامة أو الأمن الوطني.

2. الجرائم الإلكترونية

تعتبر الجرائم الإلكترونية من أخطر الانحرافات في الأنشطة الرقمية، وتشمل:

- النصب الإلكتروني

- الاحتيال

- سرقة المعطيات البنكية

- انتحال الهوية

- الاختراق

- نشر المحتوى غير القانوني

وتخضع هذه الجرائم لعقوبات زجرية قد تصل إلى السجن والغرامة.

3. انتهاك الملكية الفكرية

يحظر القانون بيع أو نشر أو استغلال أي محتوى محمي بحقوق الملكية الفكرية دون ترخيص.
يشمل ذلك البرامج، التصاميم، الفيديوهات، الموسيقى، الدورات التدريبية، المحتوى المكتوب.

الفصل الخامس: توصيات قانونية لممارسة نشاط رقمي سليم

- تسجيل النشاط قانونياً منذ البداية

- احترام القوانين المتعلقة بحماية المستهلك

- الالتزام بالواجبات الضريبية

- التعامل مع منصات قانونية موثوقة

- حماية المعطيات الشخصية للزبائن

- تجنب بيع المنتجات غير القانونية

- حفظ العقود والفواتير الإلكترونية

- لاستشارة القانونية عند أي نزاع أو إشكال

خاتمة

إن التجارة الإلكترونية والعمل على الويب في المغرب يشكلان فرصة اقتصادية حقيقية لكل من يرغب في خلق مشروع رقمي يدر دخلاً مستقراً، بشرط احترام الإطار القانوني والتنظيمي. فنجاح النشاط الرقمي يرتبط أساساً بالثقة، هذه الأخيرة لا تتحقق إلا من خلال الالتزام بالقوانين المنظمة للعقود الإلكترونية، حماية المستهلك، المعاملات الرقمية، والواجبات الضريبية.

إن ممارسة نشاط مهني رقمي يتطلب الوعي بمسؤولية التاجر الإلكتروني تجاه المستهلك، وفهم حدود الأنشطة المسموح بها، وتجنب الأنشطة المحظورة، خاصة تلك التي قد تجرّ صاحبها إلى المسؤولية الجنائية.
وكل شخص يرغب في بناء مشروع ناجح على الإنترنت يحتاج إلى ضبط هذه القواعد لضمان استمرارية نشاطه وقانونيته.