⚖️ قانون العقوبات البديلة في المغرب 2025: كل ما يجب أن تعرفه عن البدائل الحديثة للسجن

بقلم الأستاذ حمزة سعادي

7/26/20251 دقيقة قراءة

⚖️ العقوبات البديلة في القانون الجنائي المغربي: مقاربة إصلاحية لحماية المجتمع وإعادة إدماج الجناة

📌 مقدمة

     يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تحولًا نوعيًا في مقاربته للعقاب داخل المنظومة الجنائية، حيث أصبح من الواضح أن السجن، بصفته عقوبة سالبة للحرية، لم يعد قادرًا على تحقيق أهداف الردع العام والخاص، خاصة بالنسبة للجنح البسيطة. ومن هنا برزت فكرة العقوبات البديلة في القانون الجنائي المغربي كخيار تشريعي متقدم، يهدف إلى ضمان التوازن بين العقاب والإصلاح، وبين حماية المجتمع والحفاظ على كرامة المحكوم عليه.

✅ تعريف العقوبات البديلة وأهميتها

    العقوبات البديلة هي تدابير قانونية تُصدرها المحاكم المغربية كبديل عن العقوبات الحبسية قصيرة المدة، خصوصًا تلك التي لا تتجاوز سنة واحدة. هذه العقوبات تندرج ضمن ما يسمى الإصلاح الجنائي الحديث، الذي يسعى إلى إقرار عدالة تصالحية وإنسانية، تركز على إعادة تأهيل الجاني بدلًا من عزله داخل السجون.

    وتأتي هذه الخطوة انسجامًا مع المبادئ الدستورية ومع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تُشجع على الحد من العقوبات السالبة للحرية، واعتماد آليات قانونية بديلة عن السجن، تحقق الغاية من العقوبة دون المساس بالحقوق الأساسية للمحكوم عليه.

⚖️ الإطار التشريعي للعقوبات البديلة في المغرب

    يندرج نظام العقوبات البديلة ضمن مشروع تعديل القانون الجنائي المغربي 2025، وهو جزء من الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة الذي أطلقته وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وقد تضمن المشروع إدخال آليات جديدة تسمح للقاضي بالحكم بعقوبة بديلة عن الحبس، إذا توفرت الشروط القانونية.

    كما تهدف هذه الإجراءات إلى مواجهة الاكتظاظ في السجون المغربية، الذي أصبح ظاهرة مقلقة، تؤثر على جودة الخدمات داخل المؤسسات السجنية، وتُعيق إعادة الإدماج الاجتماعي للنزلاء.

🧾 أنواع العقوبات البديلة المعتمدة

1️⃣ العمل لفائدة المصلحة العامة

    تُعد من أشهر العقوبات البديلة وأكثرها فعالية، إذ يُلزم المحكوم عليه بالقيام بعمل نافع لفائدة جهة عمومية، دون أجر، كنوع من التعويض عن الجريمة المرتكبة. وتُحدد المحكمة عدد الساعات بناءً على خطورة الفعل.

تشمل هذه الأعمال:

- تنظيف الأماكن العمومية

- صيانة المرافق الجماعية

- تقديم خدمات إدارية في مؤسسات عمومية

- هذا النوع من العقوبة يسمح بإعادة إدماج المحكوم عليه في محيطه الاجتماعي، ويُعزز ثقافة المواطنة وتحمل المسؤولية.

2️⃣ الغرامة التصاعدية

    هي عقوبة مالية تُحدد بحسب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمحكوم عليه. وتُطبق بشكل تدريجي، وفقًا لدخل الجاني وممتلكاته، بهدف ضمان عدالة مالية وعدم استغلال الفقر كذريعة لتطبيق الحبس في الجنح البسيطة.

3️⃣ المراقبة القضائية

تقوم على فرض قيود قانونية على المحكوم عليه، مثل:

حظر مغادرة مكان الإقامة

الالتزام بالحضور أمام جهة رقابية

عدم الاقتراب من الضحية

عدم استهلاك مواد مخدرة أو كحولية

تسمح هذه العقوبة بتتبع السلوك الجنائي في المجتمع دون عزله، مما يعزز العدالة الوقائية.

4️⃣ الوساطة الجنائية

   هي إجراء تصالحي يتم بإشراف القضاء، يسمح للجاني والضحية بحل النزاع خارج نطاق العقوبة التقليدية. تُستعمل غالبًا في الجرائم البسيطة، وتُحقق أهدافًا مزدوجة:

- إنصاف الضحية

- منح الجاني فرصة إصلاح دون تسجيل سابقة قضائية

🧠 شروط الاستفادة من العقوبات البديلة

للاستفادة من العقوبات البديلة، يجب أن تتوفر مجموعة من المعايير:

- أن تكون العقوبة الحبسية الأصلية لا تتجاوز سنة

- أن تكون الجريمة غير خطيرة ولا تمس الأمن أو النظام العام

- أن لا يكون للمحكوم عليه سوابق جنائية خطيرة

- أن يُظهر المتهم نية صادقة في إصلاح سلوكه

- أن تقتنع المحكمة بفعالية العقوبة البديلة

📈 أهداف العقوبات البديلة

تهدف العقوبات البديلة إلى:

- خفض عدد السجناء وتقليص اكتظاظ المؤسسات السجنية

- تخفيف العبء المالي على ميزانية الدولة

- تقوية روابط المحكوم عليه بأسرته ومجتمعه

- تحقيق الردع الخاص والعام دون المساس بحرية الفرد

- منع التأثيرات السلبية التي قد يكتسبها الجاني من البيئة السجنية

- ترسيخ مفهوم العقوبة الإصلاحية بدل الزجرية

📉 التحديات التي تواجه تفعيل العقوبات البديلة

رغم الإيجابيات، تواجه العقوبات البديلة عدة صعوبات:

- غياب البنية التحتية الكافية لتنفيذها

- قلة الكفاءات الإدارية والقانونية للإشراف عليها

- ضعف التنسيق بين الجهات القضائية والمجتمع المدني

- تصور عام لدى بعض الفئات أن العقوبة بدون سجن ليست كافية

🌍 التجارب الدولية المقارنة

العديد من الدول سبقت المغرب في هذا المجال، منها:

- فرنسا: طبقت العمل لفائدة المصلحة العامة بنجاح

- ألمانيا: اعتمدت أنظمة مراقبة إلكترونية فعالة

- كندا: ركزت على المصالحة والعدالة التصالحية

- السويد: أعطت الأولوية للتدابير الإصلاحية والاجتماعية

وهذه النماذج تُثبت أن العدالة يمكن أن تكون أكثر فعالية وإنسانية دون اللجوء الدائم إلى الحبس.

✍️ خاتمة

    إن العقوبات البديلة في المغرب ليست مجرد خيار تشريعي، بل هي ضرورة ملحة لإصلاح نظام العدالة. فهي تُمكن القضاء من تفريد العقوبة، ومراعاة ظروف الجاني، مع تحقيق الردع المطلوب في آنٍ واحد. كما تُرسّخ فلسفة الإصلاح بدل العقاب، وتُعزز القيم الإنسانية في قلب النظام الجنائي.

   وحتى تُحقق هذه العقوبات أهدافها، فإنها تحتاج إلى دعم مؤسساتي ومجتمعي قوي، وتكوين مستمر للقضاة، وتنظيم قانوني واضح يُمكن من تنفيذها بكفاءة، حتى تُصبح فعلاً أداة لإصلاح لا مجرد إجراء قانوني شكلي.